محاضرات علم النفس العصبي الغدي
إعداد: أ. د أحمان لبنى
المحاضرة الخامسة- محور تحت المهاد والقشرة الدماغية
يعد الوطاء والذي يشكل أقل من 1% من وزن الدماغ، واحدا من أهم سبل التحكم في العديد من السمات العاطفية في السلوك؛ فقد لاحظ العلماء أن تخريب الوطاء أو تحفيزه له عميق التأثير على السلوك العاطفي، للكائن الحي، ومن الآثار التي لوحظت بعد تحفيز الوطاء:
*أن تنشيط المنطقة الجانبية من الوطاء لا يؤدي فقط إلى الشعور بالعطش والجوع، إنما يؤدي أيضا إلى زيادة الغضب والانفعال بشكل كبير لدرجة أن الحيوان أو الإنسان يمتلك الرغبة في القتال الجسدي.
*أن تنشيط النوى البطنية المتوسطة والمناطق المحيطة بها في الوطاء، يؤدي إلى آثار معاكسة للآثار الناتجة عن تنشيط المناطق الجانبية منه، فهو يعطي شعور بالتخمة ويقلل الرغبة في تناول الطعام، كما يؤدي إلى هدوء الكائن بشكل عام.
*أن تنشيط النطاق الضيق الذي تشغله النوى القرب بطنية الواقعة مباشرة بجوار البطين الثالث أو تنشيط المنطقة الرمادية من الدماغ المتوسط المتصلة مع هذا الجزء من الوطاء، عادة يؤدي إلى الخوف وردود فعل تخص العقاب.
*أن الدافع الجنسي من الممكن تنشيطه من تنشيط مناطق مختلفة من الوطاء لاسيما المناطق الأكثر علوا والمناطق الأكثر انخفاضا منه.
1- التحكم في عمليات التذكر والتعلم
تؤيد التجارب الحديثة الدور الذي يلعبه الوطاء في عملية التذكر والتعلم، وقد أسفرت أغلب نتائج التجارب والدراسات على أن تخزين الذكريات والتعلم يحدث نتيجة استجابة قشرية تالية لتأثيرات حسية مترافقة إما بالثواب أو العقاب حيث تخزن تلك الاستجابات القشرية في الذاكرة. أما المحرضات الحسية الحيادية التي اعتاد عليها الانسان فلا يتمكن من تذكرها غالبا.
أ- مراكز الثواب
لقد أظهرت التجارب على الحيوان أن مراكز الثواب تقع بشكل خاص في النوى الوحشية والبطنية للوطاء. كما وجدت مراكز الثواب في الحاجز واللوزة واماكن محددة من العقد القاعدية التي ترتبط مع الدماغ المتوسط.
ب- مراكز العقاب
تقع مراكز الخوف والهرب والعقاب في المنطقة الرمادية المركزية المحيطة بمسار سلفيوس في الدماغ المتوسط وتمتد للأعلى أي للوطاء والمهاد. ولوحظ أن تحريض مراكز العقاب تثبط مراكز الثواب والسرور، لذلك نستخلص مما تقدم أن مراكز الخوف والعقاب تتفوق على مراكز السرور والثواب.
ج. أهمية مراكز الثواب والعقاب في التعلم وتعزيز الذاكرة وتثبيتها:
لوحظ أن المحرضات الحسية الجديدة ( التي لم يتعود عليها الانسان والحيوان) تفعل دوما قشر المخ وأن تكرارها يؤدي لغياب الاستجابة القشرية ما لم تظهر التجربة شعورا بالثواب أو العقاب لأن الاعتياد على المحرض الحسي يؤدي بعد مضي فترة لعدم الاستجابة القشرية وإذا سبب المحرض الحسي ثوابا أو عقابا تصبح الاستجابة القشرية مشتدة أكثر فأكثر بتكرار التحريض ويقال في هذه الحالة أن الاستجابة قد عززت.
د- أهمية التكوين الشباكي والوطاء في الانتباه للمحرضات الحسية:
إن نظريات علم النفس العصبي في الانتباه تشير إلى جهاز التنشيط الشبكي المرتبط بالتكوين الشباكي وعلاقته بحدوث الإثارة والتيقظ في القشرة الدماغية، ودور التراكيب في القشرة الفرعية والجهاز الحوفي في تنظيم المعلومات التي سوف يوجه الانتباه نحوها.
ولقد أجريت واحدة من الدراسات المبكرة عن الأسس العصبية للانتباه والاعتياد في الاتحاد السوفياتي على يد العالم (سوكولوف E.N Sokolov) فقد أوضح باستخدام تسجيلات النشاط الكهربي (EEG) أن نشاط المخ يختلف خلال عملية الاعتياد، وتوضيحا لذلك فإنه مع تكرار تقديم المنبه مثل :
تكرار نغمة ذات ذبذبات عشرات المرات يختفي نمط الاستثارة لنشاط المخ الكهربي، والواقع أنه في حالات الاستمرار في تقديم المنبه فإن المفحوص يظهر ردود فعل معاكسة للانتباه حيث يغلب عليه النوم. ويفترض بوجه عام أن الاعتياد يعتمد إلى حد كبير على اللحاء كما أوضحت التجربة التي أجراها (سوكولوف) على القطط، فبعد أن اعتادت القطط على سلسلة من النغمات التي قدمت خلال فترات منتظمة يخطيء (سوكولوف) إحدى هذه النغمات فأظهرت استجابة موجهة " لغياب "نغمة .. .وقد نظر (سوكولوف) إلى هذه النتائج باعتبارها جزءا من نموذج للاعتياد أو نقصان الانتباه؛ ففي تجربة القططعلى سبيل المثال -إذا ما انتبهت القطة في البداية إلى نغمة ذات 600 ذبذبة تقدم كل ثانيتين فقد لا تظهر بعد فترة قصيرة ردود فعل موجهة، ولكنها لا تعير النغمة أي قدر من الانتباه، ومن ناحية أخرى فإن عدم الانتظام في أي شيء من شدة النغمة ومعدل ترددها قد يعيد تنشيط آليات الانتباه لدى القطة .ووفقا للتصور اللحائي للانتباه الذي قدمه (سوكولوف) تتم مقارنة المنبهات الداخلة إلى اللحاء بنماذج أو توقعات فإذا كانت هناك مضاهاة أو تطابق بين النموذج اللحائي الموجود مسبقا والمنبهات الداخلة يحدث كف لجهاز التكبير أو التنشيط أما إذا لم تكن هناك مضاهاة بين المنبهات الجديدة والتوقعات فإن اللحاء لا يحدث كفا لجهاز التنشيط الذي يقوم بدوره بتنشيط اللحاء مما يؤدي إلى مستوى متزايد من الانتباه.. وبهذا يمكن القول بأن التكوين الشبكي هو الجزء الرئيسي الذي يلعب دورا مهما في التيقظ والانتباه، أما عن مناطق ما تحت القشرة المسؤولة عن الانتباه فأهمها الثلاموس الذي يلعب كحارس بوابة لكل من المدخلات الحسية والحركية، ومن ثم يلعب دورا في الانتباه الانتقائي، أما الجهاز الطرفي فيلعب دورا مهما في تحديد أهمية المثير من حيث الدافعية. .
2- التحكم في وظائف الجهاز العصبي اللاإرادي (السمبثاوي والباراسمبثاوي)
يشرف الوطاء على المراكز العصبية للجهاز العصبي المستقل الذي تقع مراكزه في القسم السفلي من جذع الدماغ حيث لوحظ أن : تحريض المنطقة الأمامية للوطاء تسبب ظهور جميع الأعراض الناتجة عن تنبيه الجهاز اللاودي وهذا يعني أن مراكز الجهاز العصبي اللاودي تقع بالوطاء الأمامي. وأن تحريض المنطقة الخلفية للوطاء تسبب ظهور جميع الأعراض الناتجة عن تنبيه الجهاز الودي وهذا يعني أن مراكز الجهاز العصبي الودي تقع بالوطاء الخلفي.
3- التحكم في السلوك الانفعالي
يعد الوطاء على درجة بالغة من الأهمية في تنظيم الوظائف الوعائية والحشوية والانفعالية، عن طريق مجموعة من الألياف الترابطية التي تربطه بعدة أجزاء من المخ، ولذلك يكاد يكون المنظم الأساسي للاستجابات الانفعالية المختلفة سواء كانت خارجية أو ما يسمى بسلوك الكر والفر، أو الاستجابات الداخلية المتمثلة في استجابات الجهاز العصبي الذاتي الذي يقوم الهيبوثلاموس بتنظيم عمل قسميه السمبثاوي والباراسمبثاوي بما يحدد نوع الاستجابة المناسبة.
ويمكن تلخيص أهم التظاهرات الودية المرتبطة بالانفعال في:
*زيادة الضغط الشرياني
*زيادة جريان الدم إلى العضلات الفعالة بالتزامن مع نقص جريان الدم إلى الأعضاء التي لا توجد حاجة لها أثناء الأنشطة الحركية السريعة مثل السبيل المعدي المعوي.
*زيادة الاستقلاب الخلوي في كل الخلايا.
*زيادة تركيز غلوكوز الدم.
*زيادة تحلل الغلوكوز في الكبد والعضلات.
*زيادة قوة العضلات.
*زيادة الفعالية الفكرية.
*زيادة تخثر الدم.
4- التحكم في النوم واليقظة
يلعب الوطاء دورا مهما في التحكم في النوم واليقظة، وذلك بوصفه التشريحي في الجزء العلوي من التكوين الشباكي، وتحتاج الأحلام وحالة اليقظة لنشاط وحيوية مستمرة في التكوين الشباكي الصاعدة للقشرة الدماغية، وأي أسباب كيميائية أو مرضية تؤثر في التكوين الشباكي تؤدي إلى الخمول والنعاس والنوم. و تحت المهاد الخلفي والأمامي لا يتضمنان الآليات الضرورية الكافية للحفاظ على حالتي اليقظة والنوم، وإنما يمارسان عليهما تأثيرات ميسرة.

تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لك